مذكراتي مع كرة القدم 8

أعيش بلا مباريات وصحتي ممتازة.

لعل الأمر مرتبط جداً بالعادة والمحيط. فحين تتربى في بيئة تولي كرة القدم اهتماما كبيراً تعتاد على أن الأمر مهم. أشبه ما يكون بعادة شرب المتة، أو مذاق الكمون في وصفة الكوسا المحشي، أو النشوء في بيئة تعج بالمحجبات.

بعض الصراعات والولاءات التي نراها وتلحق بنا شظاياها عادات، ولاعلاقة للقناعات بالولاء لفريق أو بالتحيز لوصفة طبخ أو إدمان مشروب صباحي.

عندما كانت ابنة أختي مريم في الثالثة من العمر كان والدها المصري المسافر يتصل بزوجته ليؤكد عليها أن على مريم متابعة مباريات الأهلي والزمالك.

أعتقد أن المصريين أكثر الشعوب العربية ارتباطاً بأنديتهم. لا يوجد فرد عربي في أصقاع العالم لم يسمع بالأهلي والزمالك.

أما المصريون فيحددون مدى قربهم أو بعدهم من بعضهم بسؤال أهلاوي والا زملكاوي. ومن هنا يبدأ الاتفاق.

لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد. المصريون بارعون في ابتكار الطرائف وانتقلت مهاراتهم للإبداع في الميمز أي الصور الشهيرة المرفقة بالتعليقات. فإذا لم يمر معك صفحة “نكت آخر تريقة على الزمالك”. “وإن كنت زملكاوي ما تدخلش”. فقد فاتك الكثير من صراع أزلي، ينتقل من جيل إلى جيل. يصل حد التنمر، ويبدو أنه مشروع ومقبول في المجتمع.

إنها التسلية وأحكامها. وكل مايندرج تحت بند التسالي يلهي الجماهير عن القضايا. وكل مايلهي الجمهور عن القضايا قوة ناعمة ضاربة تغذيها السلطات.

السلطات في كل زمان ومكان تحاول استمالة النجوم في أي مجال، وأشهرهم نجوم كرة القدم. بالتكريم وتحت راية رفع إسم الوطن عالياً.

الجمهور أيضاً يعتبر إعلان نجم الكرة لموقف سياسي مكسباً. أو إعلان تدينه مكسباً.

وكلاهما الجمهور أو السلطة إن رضيا عن اللاعب رفعاه إلى مصاف الأنبياء والصديقين وإن غضبا عليه أنزلاه أسفل السافلين.

حدث هذا الأمر كثيراً لأبو تريكة الملقب ب”الماجيكو” لاعب النادي الأهلي السابق والمعلق في قناة “إن بي سبورت” الرياضية الذي قيل إن الحكومة المصرية على قائمة الإرهاب وصادرت ممتلكاته بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين. كما لم ينج محمد صلاح من الانتقادات بالغرور حين صرح مؤخراً بأنه الأفضل في العالم. لكن صمته وتوخيه السلامة في عدم الإعلان عن أي موقف سياسي مما عصف ببلاده كان الأكثر حزاً في نفوس مؤيديه، الذين ما أن يلعب حتى يغفروا له ويحيطونه بالقلوب.

وبينما نحن السوريون منقسمون جدا سياسياً. وليس لدينا أي سند أو إنجاز كروي، يبدو سجلنا في بطولات كأس العالم خاليا ومنذ عام 1930 ستجد أنه إما لم يشارك أولم يتأهل أوانسحب أو استبعد..

لذا نشجع كيفما اتفق حسب الأهواء والمزاج. تارة ترانا مع الموقف وكثيراً تستسلم للأمواج. إلا أن لدينا الكثير من حكايات اللاعبين التي استنزفت مشاعرنا، في الانتصار للقضايا وفي الخذلان أيضاً..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s